المشاركات

مقدمة كتاب سفر الحكمة

ظهر كتاب الحكمة قبل المسيح بثلاثين سنة تقريباً بين اليهود المغتربين في الاسكندرية بمصر يعبر الكاتب عن أفكاره بلغة يونانية غير أن لكتابه مكانة في خط الكتب الحكمية التي دونت في العبرية كالأمثال وأيوب والجامعة وبعض المزامير والكاتب يعرف نصوص التكوين والخروج وإشعيا والأمثال وهو مطلع على الآداب اليونانية عبر هوميروس وأفلاطون أما هدفه فهو ليشهد لإيمانه اليهودي بوسائل الفكر اليوناني لذلك يتوجه إلى أبناء دينه الذين يجهلون العبرية مشدداً إيمانهم بالعهد وإلى القراء اليونان ليقنعهم بعظمة الإرث الروحي الذي يملكه شعب إسرائيل القسم الأول حكمة الفصول 1 - 5 مخصص للتفكير في مصير الأبرار والأشرار ويتكلم بالتفصيل على اضطهاد الأشرار للبار حكمة 2 : 10 - 20  القسم الثاني حكمة 6 : 1 ، 9 : 12 يمتدح الحكمة التي لا غنى عنها لجميع الناس بالأخص للذين يملكون في الأمم يتكلم الكاتب فيجعل نفسه مكان الملك سليمان الذي يعتبره تقليد بني إسرائيل الحكيم 1 ملوك 5 : 12  القسم الثالث حكمة 9 : 13 ، 19 : 22 وعنوانه الحكمة في التاريخ المقدس يبدأ بصلاة سايمان ثم يستعرض أخبار التكوين والخروج ويتطرق إلى مسالة الشرك مستعيناً بنصوص م

الحكمة الفصل الاول

1 أحبوا التقوى يا حكام الأرض تأملوا في الرب واطلبوه بطيب قلب 2 فالـذين يسعون إليه يجدونه والـذين لا يشكون فيه يرونه 3 سوء الظن يبعد الإنسان عن االله والشك في قدرته يفضح الجهل 4 فالحكمة لا تدخل نفسا ماكرة ولا تحل في جسد تستعبده الخطيئة 5 هي روح طهرها التأديب تهرب من الخداع وتبتعد عن الظنون الباطلة وتخجل من الظلم 6 وهي روح محبة لكنها لا تغفر لمن يكفر بكلام االله فاالله يدرك مشاعر الإنسان ويرى ما في قلبه ويسمع ما ينطق به لسانه 7 روح الرب يملأ الكون وبالأشياء كلها يحيط لهذا هو عليم بكل ما يقوله الإنسان 8 لا يخفى عليه ناطق بسوء وبإنسان كهذا ينزل العقاب العادل 9 أمام االله تنكشف أخفى نياته وأقواله تصل عرش الرب وتحكم على شر أفعاله 10 فآذان الرب تسمع كل شيء حتـى الهمس 11 فتجنبوا الهمس الـذي لا خير فيه وصونوا ألسنتكم من النميمة فما يقال في الخفية لا يمر دون عقاب واللسان يودي بصاحبه إلى الهلاك 12 لا تسعوا وراء الموت بما ترتكبون من أخطاء في حياتكم ولا تجلبوا على أنفسكم الهلاك بأعمال أيديكم 13 فاالله لم يصنع الموت لأن هلاك الأحياء لا يسره 14 خلق كل شيء للبقاء وجعله في هذا العالم سليما خالـيا من ال

الحكمة الفصل الثاني

1 ويخطـئ الأشرار حين يقولون في أنفسهم حياتنا قصيرة بائسة ولا من دواء للموت كذلك لا نعلم أحدا رجع منه 2 ولدنا مصادفة وبعد موتنا يكون كما لو لم نكن وما النسمة الـتي نتنفسها إلا دخان وما الحس إلا شرارة في خفقان قلوبنا 3 فإذا انطفأت عاد الجسم رمادا وتلاشت الروح كنسمة واهية 4 بعد حين ينسى إسمنا ولا يذكر أحد أعمالنا وتزول حياتنا كغيمة بلا أثر وتتبدد كضباب يسوقه شعاع الشمس ويلاشيه حرها 5 فأيامنا ظل عابر ولا رجوع لنا بعد الموت لأنه يختم أبواب قبورنا فلا يعود منها أحد 6 فتعالوا نتمتع الآن بالملذات الحاضرة وسريعا كما يفعل الشباب 7 نرتوي من الخمور الفاخرة وبالطيوب نتعطر ولا تفتنا زهرة في ربـيع 8 نتكلل بالورد قبل ذبوله 9 ولا يحرم أحدنا نصيبه من اللذائذ ولا نترك مكانا إلا ولنا فيه أثر من لذة فهذا حظنا ونصيبنا في الحياة 10 بل دعونا نظلم الفقير ولو كان من الأتقـياء ولا نشفق على الأرملة ولا نحترم شيبة الشيوخ 11 ولتكن قوتنا هي القانون العادل لأن الضعف لم يكن حتـى الآن نافعا في شيء 12 فلنتحين الفرصة للانقضاض على الأتقـياء لأنهم يضايقوننا ويقاومون أعمالنا ويتهموننا بمخالفة أحكام الشريعة ويفضحون خروجنا عل

الحكمة الفصل الثالث

1 أما نفوس الأتقياء فهي بـيد االله فلا يمسها عذاب 2 لكن الجهلاء يعتقدون خطأ أن الأتقـياء إذا ماتوا يعانون الموت في شقاء عظيم 3 وأن رحيلهم عنا نكبة بينما هم في واقـع الحال في سلام 4 ومع أنهم في نظر الناس يعاقبون فرجاؤهم أكيد أنهم خالدون 5 وإذا أصابهم التأديب فهم يجازون خيرا كبـيرا لأن االله امتحنهم فوجدهم أهلا له 6 محصهم كالذهب في النار وقبلهم كما يقبل المحرقات 7 فهم في يوم الحساب يشتعلون كنار يتطاير شررها بين القصب 8 فيدينون الأمم ويحكمون الشعوب ويملك ربهم عليهم إلى الأبد 9 والمتوكلون عليه سيفهمون الحق والمؤمنون بمحبته سيلازمونه كقديسيه ومختاريه وتكون النعمة والرحمة لهم 10 أما الكافرون به فسينالهم العقاب على سوء ظنونهم الـتي أدت بهم إلى إهمال الأتقـياء والابتعاد عن الرب 11 فما أتعس الـذين يحتقرون الحكمة والتأديب يكون رجاؤهم باطلا وأتعابهم عقيمة وأعمالهم لا فائدة فيها 12 وتكون نساؤهم سفيهات وأبناؤهم أشرارا ونسلهم ملعونا  13 فهنيئا للعاقر الـتي لم تتدنس ولم تعرف الزنى لأنها ستنال ثمرتها يوم الحساب 14 بل هنيئا للخصي الـذي لم ترتكب يده إثما ولا نوى في قلبه شرا على الرب لأنه سينال جزاء المؤ

الحكمة الفصل الرابع

1 خير للإنسان أن يكون بلا أبناء لكنه يمتلك الفضيلة لأن ذكرها خالد ولأنها مكرمة عند االله والإنسان 2 إذا حضرت يعمل بها البشر وإذا غابت يشتاقون إليها تلبس التاج وتنتصر مدى الأيام في صراعها من أجل الحصول على مكافآت نقـية 3 ولكن زمرة الأشرار مهما تكاثروا يكونون بلا فائدة هم أبناء زنى كشجرة فسدت أصولها لا يتجذرون عميقا في الأرض ولا يقومون على أسس ثابتة 4 وإن أخرجوا فروعا إلى حين فلا بد أن تزعزعهم الريح وتقتلعهم الزوبعة 5 فتتكسر فروعهم الفاسدة قبل الأوان وثمارهم الخبـيثة لا تنضج فلا تؤكل ولا تعود صالحة لشيء 6 والمولودون من الحرام يشهدون يوم الحساب على ما ارتكبه والدوهم من عار أما الأتقياء فيجدون الراحة وإن ماتوا شبابا 8 فالشيخوخة تستحق التكريم وهذا لا لأن الشيخوخة تقاس بعدد السنين 9 بل لأن الحكمة تعني المشيب والحياة الصالحة من الشيخوخة 10 والمثل على ذلك هو أخنوخ الـذي رضي عنه االله فأحبه وكان يعيش بين الخاطئين فانتشله منهم 11 أخذه سريعا لئلا يفسد الشر عقله ويستولي الباطل على نفسه 12 فسحر الضلال يعمي البصيرة عن الخير والشهوة تدوخ العقل السليم 13 وبلغ أخنوخ من الكمال حدا لا يبلغه سواه في سنين

الحكمة الفصل الخامس

1 وفي ذلك اليوم يقوم الأتقـياء بجرأة عظيمة في وجه الـذين اضطهدوهم ولم يأخذوا في الاعتبار أتعابهم 2 وحين يرى هؤلاء ذلك يستولي عليهم رعب شديد وينذهلون من خلاصهم العجيب الـذي لم يكونوا ينتظرونه 3 فيندمون ويقولون في أنفسهم وهم يئنون من الحسرة 4 هؤلاء هم الـذين احتقرناهم حينا وحسبناهم مثلا للعار وما كان أحمقنا حين حسبنا حياتهم جنونا وآخرتهم بلا كرامة 5 فكيف يعدون من أبناء االله وحظهم بين القديسين؟ 6 إذا فنحن الـذين ضللنا عن الحق ونور الحق لم يضئ لنا وشمسه لم تشرق علينا 7 أنهكنا أنفسنا في سلوك طريق الشر والهلاك وهمنا على وجوهنا في متاهة بلا معالم وكان أولى بنا أن نعلم طريق الرب 8 فماذا نفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا اعتزازنا بالأموال؟ 9 مضى هذا كله كالظل وكالخبر الـذي يسمع وما أسرع ما ينسى 10 بل هو أشبه بسفينة تعبر الأمواج ولا تترك خلفها أثرا يستدل به 11 أو كطائر يطير في الجو فلا يبقى دليل على مسيره يضرب الريح الخفيفة بجناحيه فيما بعنف يشق طريقه ويعبر وبعد ذلك يمحى الأثر 12 أو هو كسهم يرميه صاحبه إلى الهدف وفي الحال يعود الهواء الـذي يخترقه السهم إلى حاله فلا يرى أحد ممره 13 وكذلك نحن ما إن ول

الحكمة الفصل السادس

1 فاسمعوا أيها الملوك وتعقلوا واتعظوا يا حكام الأرض كلها 2 أصغوا أيها المتسلطون على الجماهير أيها المفتخرون بكثرة الخاضعين لكم من الأمم 3 جبروتكم من الرب ومن العلي سلطانكم وهو سيفحص أعمالكم ونـياتكم 4 فما أنتم إلا حكامه في خدمته فإذا لم تحكموا بالعدل وتعملوا بأحكام الشريعة وتسيروا بحسب مشيئته 5 فسينزل عليكم بغتة عقابا شديدا لأن الحكم يكون أشد قساوة على الـذين يحتلون المناصب الرفيعة 6 فالرحمة أولى بأن تكون لعامة الناس لا لأرباب القوة الـذين بقساوة يجب أن يعاقبوا 7 والـذي هو رب الجميع لا يخاف أحدا ولا يهاب عظمة أحد لأنه هو الـذي خلق الصغير والكبـير على السواء وعنايته تشمل الجميع 8 ولو كان يقسو في حكمه على الأقوياء 9 إليكم إذا أيها الملوك أوجه كلامي لتتعلموا الحكمة فلا تضلوا 10 هذه أمور مقدسة فإذا نظرتم إليها بقداسة تعاملون بقداسة وإذا تعلمتموها حصلتم على ما تدافعون به عن أنفسكم يوم الحساب  11 وخلاصة القول هي أن تحترموا تعاليمي وترغبوا فيها فتتأدبوا خير تأديب 12 فالحكمة بهاء كلها وبهاؤها لا يبهت يراها الـذين يحبونها ويسهل منالها على الـذين يطلبونها 13 وهي تتجلى سريعا للـذين يتعشقونها 14 م

الحكمة الفصل السابع

1 ما أنا إلا إنسان للموت كالآخرين وكالآخرين أنا من نسل أول رجل جبله االله من التراب تكونت جسدا في رحم أمي 2 وفي مدة تسعة أشهر تكونت من لحم ودم بمنـي رجل في لذة المضاجعة 3 ولما ولدتْ سقطت على الأرض مثلما يسقط كل مولود جديد وتنفست الهواء مثل كل مولود جديد كان البكاء أول ما أخرجته من صوت 4 وربـيت في القمط وباهتمام كبـير 5 شأن كل أبناء الملوك 6 على أن لنا نحن البشر جميعا مدخلا واحدا إلى الحياة ومخرجا واحدا منها 7 لذلك صليت من أجل الفهم فنلته ودعوت االله فحل علي روح الحكمة 8 فضلتها على أي صولجان وعرش وعرفت أن لا غنى يعادلها 9 ولا أي حجر كريم فجميع الذهب مقابلها كمشة من رمل وكذلك الفضة كمشة من طين 10 وأحببتها فوق العافية والجمال واخترتها لي نورا لا يغيب أبدا 11 فلما جاءتني الحكمة جاء معها كل خير ونلت من يديها غنى لا يحصى 12 ففرحت بهذا كله لأن هذا كله جاءني بعد الحكمة ولم أكن أعلم أنها مصدره جميعا 13 تعلمت الحكمة بإخلاص وأشركت فيها الآخرين بحرية وما أخفيت من غناها شيئا 14 هي كنز للناس لا يجف والـذين يكتسبونها يصيرون أصدقاء االله وما ذلك إلا لأن االله يرضى عن الـذين يتعلمونها 15 والآن أرجو اال

الحكمة الفصل الثامن

1 والحكمة بقوة تحكم الكل من طرف إلى طرف وبعذوبة تدبر كل شيء 2 أحببتها وطلبتها منذ صباي وتمنيت أن تكون لي عروسا لكثرة ما فتنت بجمالها 3 فهي تمجد أصلها بحياتها مع االله وهو ما زادها مجدا حتـى إن االله ذاته وهو رب الجميع وقع في حبها 4 فمنحها معرفته الخفية وتركها تنفذ أعماله 5 وإذا كان الغنى مطلبا في الحياة فأي شيء أكثر غنى من الحكمة الـتي تعمل كل شيء؟ 6 وإن كانت الفطنة سبـيلا إلى النجاح في العمل فأي شيء أكثر دهاء من الحكمة؟ 7 وإذا أحب الصلاح أحد فالحكمة تعلم الفضائل كلها العفة والعدل والشجاعة والفهم وهذه أكثر نفعا للبشر من أي شيء في الحياة 8 وإذا رغب أحد في المعرفة فالحكمة تعرف القديم وتنبـئ بالآتي وهي تفهم فنون الكلام وتفسر الغامض من معانيه ومسبقا ترى الدلائل والمعجزات وحوادث الفصول والأزمنة  9 لذلك عزمت على أن أجعل الحكمة صديقة لي تسكن معي يقينا مني بأنها تكون لي مشيرة بالخير ومعزية في أوقات الهم والغم 10 ويكون لي بفضلها ما يرفع شأني عند الجماهير ومقامي بين الشيوخ وإن كنت بعد في عز الشباب 11 لأنهم سيجدون أني سريع البديهة وهو ما يحببني إلى عظماء الرجال 12 إذا صمت ينتظرون حتـى أتكلم وإن ت

الحكمة الفصل التاسع

1 يا إله آبائي ورب الرحمة وخالق كل شيء بكلمة منك 2 يا من أوجد الإنسان بحكمته وجعله يسود على الخلائق الـتي صنعها 3 ويحكم العالم بالعدالة والحق ويقضي بين الناس باستقامة القلب 4 هبني الحكمة الجالسة إلى عرشك ولا تحرمني أن أكون من أبنائك 5 فأنا عبدك وابن أمتك إنسان ضعيف قصير العمر في هذه الدنيا وقاصر عن فهم أحكامك وشرائعك 6 وكيف لا يكون الأمر كذلك والإنسان لو بلغ حد الكمال لا يحسب شيئا ما لم تكن معه الحكمة الـتي منك 7 ومع ذلك اخترتني لشعبك ملكا ولبنيك وبناتك قاضيا 8 وأمرتني أن أبني لك هيكلا على جبلك المقدس ومذبحا في مدينة سكناك على مثال المسكن المقدس الـذي هيأته منذ البدء 9 فالحكمة معك كانت حاضرة حين صنعت العالم فهي تعلم بأعمالك وتعرف ما يرضيك وما يتفق مع وصاياك 10 فيا ليتك ترسلها من السماوات المقدسة من عرشك المجيد حتـى إذا حضرت تعينني على تحقيق ما يرضيك 11 فهي تعلم وتفهم كل شيء فترشدني بصبر في ما أعمل وبمجدها تحميني 12 فتكون أعمالي مقبولة لديك وأقضي لشعبك بالعدل وأصبح أهلا لعرش أبـي 13 ولكن من يعلم أفكارك أيها الرب الإله أو يدرك مشيئتك؟ 14 فالعقل البشري قاصر ووسائله عاجزة كل العجز 15 لأن ا

الحكمة الفصل العاشر

1 والحكمة هي الـتي حمت الإنسان الأول أب العالم الـذي خلق وحده لما سقط في الخطيئة رفعته من سقوطه 2 ومنحته سلطة على كل شيء 3 وهنالك الشرير الـذي تخلى عن الحكمة غاضبا فهلك في حمى غضبه بقتل أخيه 4 ولما غمر الطـوفان الأرض بسببه عادت الحكمة فخلصتها على يد رجل صالـح أرشدته في سفينة خشب حقيرة 5 وعندما غاصت الأمم في شرورها تعرفت الحكمة برجل صالـح وحفظته من كل عيب في نظر االله وجعلته قويا يفضل العمل بأمر االله على الاستجابة إلى عاطفته تجاه ولده 6 وأنقذت الحكمة رجلا صالحا بالهرب من النار الـتي هبطت فأهلكت الأشرار في المدن الخمس 7 والى الآن يشهد على شرهم أرض محروقة تصاعد منها الدخان ونبات يثمر ثمرا لا ينضج وعمود ملح قائم تذكارا بإنسان لم يؤمن 8 وهؤلاء الـذين أهملوا الحكمة لم يقتصر ضررهم على أنهم جهلوا الصلاح وإنما تركوا للناس ذكر حماقتهم في ما ارتكبوه من خطأ لم يتمكنوا من إخفائه 9 وأما الحكمة فأنقذت أصحابها من كل َضرر 10 وهدت الحكمة إلى الطريق الصحيح ذلك الرجل الصالـح الـذي هرب من غضب أخيه وأرته ملكوت االله وعرفته بالقديسين وأنجحته بأسفاره وأكثرت ثمار أتعابه 11 وعندما طمع الظالمون في ما يملكه وقفت

الحكمة فصل 11

1 وهكذا أنجحت الحكمة أعمال شعبه على يد نبـي قديس 2 فساروا في برية غير مسكونة ونصبوا خيامهم في أرض بلا معالم 3 وصمدوا في وجه أعدائهم وانتقموا منهم 4 ولما عطشوا صرخوا إليك أيها الرب ففجرت لهم الماء من صخرة الصوان من الحجر الصلب ورويت عطشهم 5 فكان ما عوقب به أعداؤهم هو الـذي نفعهم وقت حاجتهم إليه 6 وفي حين أنك أفسدت ماء النهر بالدم 7 عقابا لهم على الأمر بسفك دم أطفال شعبك أيها الرب أعطيت شعبك ماء غزيرا بطريقة لم تكن في الحسبان 8 فأريتهم بذلك مشقة العطش حتـى يعرفوا كيف عاقبت أعداءهم 9 لأنك حين امتحنتهم ولو برفق عرفوا كم كان حكمك على الأشرار شديدا 10 فشعبك امتحنته كأب لهم أما أعداؤهم فدنتهم كملك صارم وعاقبتهم 11 وكانت معاناتهم في غياب شعبك عنهم كمعاناتهم في حضوره بينهم 12 بحيث أصبح حزنهم ونحيبهم ضعفين ضعف كلما تذكروا الضربات السابقة الـتي نزلت بهم 13 وضعف كلما سمعوا أن ما كان لهم عقابا صار لأعدائهم نفعا فشعروا بأن لك يدا في الأمر أيها الرب 14 وشعبك الـذي رفضوه من قبل واحتقروه وطردوه أعجبوا به عندما رأوا صبره على عطش لا يتحمله إلا القوم الصالحون 15 وضل أعداؤك أيها الرب في أعمالهم الحمقاء فعب

الحكمة فصل 12

1 ولأن روحك الخالد موجود في كل شيء 2 فأنت به تؤدب الخاطئين برفق وتذكرهم بما يخطأون به وتنذرهم لـيتركوا الشر ويؤمنوا بك أيها الرب  3 وعلى ذلك قضت مشيئتك أن تهلك على أيدي آبائنا أولئك الـذين كانوا يسكنون أرضك المقدسة 4 لأنك أبغضتهم لأعمالهم الشنيعة كممارسة السحر وتقديم الذبائـح الدنسة 5 وكذلك الـذين كانوا يقتلون الأولاد بغير رحمة ويأكلون لحوم البشر ويشربون دماءهم فيما أهل السر وسط عباد الأصنام 6 يشاهدون الآباء يقتلون أولادهم العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم 7 فعلت ذلك أيها الرب لتكون الأرض الـتي هي أعز عليك من كل أرض موطنا لائقا بأبناء االله 8 ومع ذلك حتـى أولئك حميتهم لأنهم بشر فأرسلت الرعب في طليعة جيشك لتبـيدهم شيئا بعد شيء 9 وكان في مقدورك أن تجعل أتقـياءك يخضعون بالقتال أولئك الأشرار أو أن ْتدمرهم في الحال بالوحوش الضارية أو بأمر صارم من عندك 10 ولكنك فضلت أن تعاقبهم شيئا فشيئا لتمنحهم فرصة للتوبة وإن كنت لا تجهل أن نسلهم فاسد وأن خبثهم متأصل فيهم وأفكارهم لن تتغير 11 كانوا بذرة ملعونة منذ البدء وعفوك عن خطاياهم لم يكن خوفا من أحد 12 فمن يسألك ماذا فعلت أو يعارض حكمك أو يدينك لأنك أهلكت

الحكمة فصل 13

1 وما من شك أن جميع الـذين يجهلون االله هم حمقى من طبعهم ولم يقدروا أن يعرفوا الكائن من الروائـع المنظورة الـتي صنعها 2 فظنوا أن النار أو الهواء أو الريح العاصفة أو مدار النجوم أو السيول المتدفقة أو الكواكب النـيرة في السماء ظنوا هذه آلهة تسيطر على العالم 3 وهم عندما ظنوا أن هذه آلهة فلأنهم فتنوا بجمالها غير عالمين أن لها سيدا أعظم منها لأنه هو الـذي خلقها وهو مصدر كل ما فيها من الجمال 4 أو عندما دهشوا من قوتها ومحاسنها كان عليهم أن يفهموا بها كم صانعها أعظم منها 5 فبعظمة المخلوقات وجمالها تقاس عظمة الخالق 6 ولكنهم لا يلامون على ذلك آل اللوم لأنهم ربما أرادوا حقا أن يطلبوا االله فتاهوا 7 أو ربما فتنتهم أعمال الرب فأمعنوا النظر إليها حتـى اقتنعوا أن ما يرونه هو من الروعة بحيث لا يمكن إلا أن يكون هو الآلهة 8 مع ذلك فلا عذر لهم 9 لأنهم إن كانوا من العلم على قدر كاف لمعرفة طبـيعة الكون فكيف قصروا عن معرفة رب الكون ذاته؟ 10 ولكن أشقى الناس جميعا هم الـذين جعلوا رجاءهم في الأشياء الميتة والـذين سموا ما صنعته أيدي البشر آلهة وما هي إلا مصنوعات فنية من الذهب والفضة تشبه الحيوان أو من الحجر الت

الحكمة فصل 14

1 ومن ذلك أيضا من يتهيأ للإبحار في الأمواج المتلاطمة فيستنجد بخشبة أكثر اهتراء من المرآب الـذي سيحمله 2 لأن المركب اخترعه حب الكسب وبناه الصانـع بمهارته 3 ولكن عنايتك أيها الآب هي الـتي تسيره لأنك أنت الـذي فتحت في البحر طريقا وفي الأمواج مسلكا أمينا 4 وأظهرت قدرتك على الإنقاذ من كل خطر، حتـى الـذين يركبون البحر ولا يعرفون عن ذلك شيئا 5 فأنت لا تريد أن يكون ما صنعته بحكمتك باطلا ولذلك يخاطر الناس بحياتهم على خشبة صغيرة ويعبرون البحر الهائـج ويخلصون 6 هكذا كان في قديم الزمان حين هلك قوم من الجبابرة المتكبرين ونجا رجاء العالم في سفينة بسيطة قادتها يدك فأبقى للعالم بذرة تتوالد 7 فبورك الخشب الـذي به يجيء ما هو صالـح 8 أما الخشب المصنوع صنما فملعون صانعه لأنه صنعه وملعون الصنم ذاته لأنه مع كونه قابلا التلف سمي إلها 9 فالكافرون باالله وما يصنعونه من أدوات الكفر يبغضهما االله على السواء 10 فينزل العقاب بالمصنوع والصانـع معا 11 لذلك لن يغض االله نظره حتـى عن أصنام الأمم لأنها مع كونها مصنوعة من أشياء خلقها الله صارت رجسا وعثرة للنفوس وفخا لأقدام الجهال 12 وما من شك أن اختراع الأصنام هو أصل ال

الحكمة فصل 15

1 وأنت يا إلهنا رؤوف صادق طويل البال تدبر كل شيء بالرحمة 2 إذا خطئنا فنحن لك ونعرف قدرتك لكننا لا نخطأ لعلمنا أننا لك 3 ومعرفتنا لك هي منتهى الصلاح كما أن معرفة قدرتك هي أصل الخلود 4 لذلك لم ننخدع بما اخترعه البشر من مصنوعات ممقوتة ولا بأية صورة تعب صاحبها باطلا في تلطيخها بمختلف الألوان 5 بحيث إن الجهال إذا نظروا إليها أغرتهم فاشتهوها وما هي إلا صورة ميتة لتمثال ميت 6 ولا شك أن الـذين يصنعونها أو يعشقونها أو يعبدونها هم ممن يحبون الشر فاستحقوا أن تخيب آمالهم 7 وفي ذلك أن الخزاف يعجن الطين اللين ويجتهد أن يصنع منه أوعية صالحة لخدمتنا فيصنع من الطين الواحد أوعية الأعمال النظيفة وعكسها على السواء وصانـع الطين وحده يقرر لأي منهما من الأعمال وباطلا يجهد نفسه في أن يصنع من الطين نفسه إلها لا معنى له 8 وما صنع الطين نفسه سوى إنسان جبل من الطين من وقت قليل وعن قريب يعود إلى الطين الـذي جبل منه حين تعود روحه إلى دائنها 9 وهو لا يهتم بأن مصيره الموت ولا بأن حياته قصيرة بقدر ما يهتم بمنافسة صاغة الذهب والفضة والنحاس والتفوق عليهم في صناعة آلهة مزيفة 10 فقلبه رماد ورجاؤه أحط من التراب وحياته أحقر

الحكمة فصل 16

1 فكان من الحق أن يعاقب أولئك الناس بأمثال تلك الحيوانات ويتعذبوا بحشد منها 2 أما أنت أيها الرب فلم تحفظ شعبك فقط من مثل هذا العقاب بل أحسنت إليهم فأرسلت طير السلوى طعاما غريب الطعم أثرت به شهوتهم 3 ففيما أولئك الـذين يعبدون الأصنام فقدوا رغم جوعهم كل شهوة للطعام من قباحة تلك الحيوانات الـتي أطلقتها عليهم كان شعبك الـذي لم يعان الجوع إلا وقتا قصيرا يتناول ذلك الطعام الشهي الغريب الطعم 4 فإنه كان من الضروري أن ينزل بأولئك الظالمين جوع لا يرحم فيما كان شعبك يرى أعداءه يتعذبون 5 ولم يكن الأمر كذلك حين هاجمت الوحوش الضارية شعبك وأهلكهم لدغ الأفاعي الملتوية لأن غضبك عليهم لم يطل أبدا 6 وإذا كانوا تضايقوا فإلى وقت قصير إنذارا لهم تذكرهم بأحكام شريعتك 7 لكنك سريعا أعطيتهم علامة للشفاء فكان كل من يلتفت إلى تلك العلامة يشفى من لدغ الحيات لا بما رآه بل بك أنت يا مخلص الجميع 8 وهكذا أقنعت أعداءك أنك أنت وحدك المنقذ من كل سوء 9 فهؤلاء قتلهم لسع الجراد والذباب ولم يجدوا لهم شفاء لأنهم استحقوا مثل ذلك العقاب 10 أما أبناؤك فقهروا أنياب الأفاعي السامة لأن رحمتك كانت إلى جانبهم فشفتهم 11 وهم إنما لدغوا

الحكمة فصل 17

1 أحكامك عظيمة أيها الرب ويصعب تفسيرها ولذلك ضلت في جهلها لها كثير من العقول 2 فحين توهم الظالمون أنهم أخضعوا شعبك المقدس كانوا هم أنفسهم أسرى ليل طويل من الظلام محبوسين في بيوتهم منفيين عن عنايتك الأبدية 3 وظنوا أنهم يبقون مستترين في خطاياهم الخفـية مبعثرين تحت ستار أسود من النسيان فوجدوا أنفسهم الآن في خوف شديد تقلقهم الأشباح المرعبة 4 حتـى الزوايا المظلمة الـتي تستروا فيها لم تكن تحميهم من الخوف كانت الأصوات تدوي حولهم وأشباح عابسة كالحة الوجوه تتراءى أمام عيونهم 5 ولم يكن للنار مهما اشتدت قوتها أن تضيء لهم ولا لبريق النجوم أن ينير ذلك الليل المرعب 6 وإنما كانَت تظهر فيما بينهم نيران مخيفة تشتعل من ذاتها فيتوهمون في رعبهم أن ما يرونه من النور أسوأ حالا من الظلمة المريعة 7 وأمام ذلك سقطت الأوهام الـتي كانت تصنعها فنونهم السحرية وخزيت الحكمة الـتي كانوا بها يفتخرون 8 فهم زعموا أنهم قادرون على طرد الفزع والوسواس من النفوس المريضة فإذا بهم الآن هم المرضى من الخوف الـذي يدعو للسخرية 9 فلا شيء كان يستدعي خوفهم ومع ذلك كانوا يرتعبون حتـى الموت من مرور الوحوش وفحيح الأفاعي 10 ويتجنبون ملامس

الحكمة فصل 18

1 أما شعبك المقدس فكان عندهم على الدوام نور عظيم وكان أعداؤهم يسمعون أصواتهم دون أن يبصروهم ويغبطونهم لأنهم لم يعرفوا العذاب الـذي يعانون 2 ولكنهم شكروهم لأنهم لم ينتقموا منهم على الظلم الـذي أنزلوه بهم ورغبوا في طلب الصفح منهم 3 وبدلا من الظلمة أعطيت شعبك عمود نار دليلا لهم في رحلة يجهلون طريقها وشمسا لا أذى بها تسليهم في تلك الرحلة المجيدة 4 أما أعداؤهم فاستحقوا أن تحرمهم النور وتحبسهم في الظلمة لأنهم حبسوا شعبك الـذين عليهم أن يعطوا العالم نور شريعتك الخالد 5 ولما عزم أعداؤك على قتل أطفال شعبك المقدس وألقـي واحد منهم في النهر ثم أنقذ عاقبت أولئك الأعداء وقضيت على الكثير من أبنائهم وأفنيتهم جميعا في المياه المندفعة 6 وكان آباؤنا أخبروا بما سيحدث في تلك الليلة حتـى يتشجعوا فيما بعد لإيمانهم بصدق عهودك أيها الرب 7 فشعبك كان يعرف أنك ستخلص الصالحين وتهلك أعداءهم 8 وأن الـذي تعاقب به هؤلاء الأعداء هو الـذي ستمجدنا به حين تدعونا إليك 9 وطول ذلك الوقت كان أبناء شعبك الصالحون يقدمون لك الذبائـح في السر ويجمعون على أمر مقدس وهو أن يشتركوا معا في السراء والضراء وأن يستمروا على الترنيم بتسابـي

الحكمة فصل 19

1 أما الأشرار فاستمر عليهم غضب لا رحمة معه حتـى النهاية لأن االله كان يعلم مسبقا ماذا سيعملون 2 وكيف أنهم ما إن يسمحوا لشعبك بالرحيل والخروج سريعا من البلاد حتـى يندموا ويبادروا إلى اللحاق بهم 3 فأضافوا حماقة إلى حماقتهم المعهودة بأن ساروا وهم بعد ينتحبون على قبور موتاهم في طلب الـذين شجعوهم على الرحيل كأنهم قوم هاربون 4 فاستحقوا المصير الـذي أصابهم وأوصلهم إلى هذه النهاية وجعلهم ينسون ما حدث حتـى يمروا في كل ما بقي من العذاب الـذي كانوا يعانون 5 وأما شعبك فانفتح لهم بغتة طريق الخلاص بينما انفتح للأعداء طريق الموت 6 لأنك أعدت النظر في طبع كل خليقة لتقوم بالعمل الـذي أمرتها به حتـى يسلم أبناؤك من كل أذى 7 فشوهدت سحابة تظلل محلتهم ومما كان من قبل مغمورا بالمياه ظهرت أرض يابسة فإذا البحر الأحمر طريق ممهد وأمواجه المتلاطمة حقل أخضر 8 عبره شعبك كلهم في حمايتك وهم يرون هذه العجائب الغريبة الرائعة 9 فانطلقوا كالخيل وأخذوا يقفزون كالخرفان وهم يسبحونك أيها الرب مخلصهم 10 وكانوا لا يزالون يتذكرون ما عانوه مدة إقامتهم في أرض غريبة كيف أنتجت الأرض الذباب بدلا من الماشية وكيف فاض النهر بالضفادع بدل